كتبت\هبه عبدالله
متاعب رحلة أسرة طفل التوحد لا تبدأ بعد التشخيص، بل قد يبدأ المشوار قبل ذلك بسنوات. فالوصول إلى التشخيص ذاته كثيرًا ما يكون رحلة طويلة، مرهقة، ومكلفة، تنتقل فيها الأسرة بين مراكز متعددة، واختبارات معقدة، وتقارير متناقضة تزيد من القلق بدلًا من أن تهدئه. وهي المشكلات التي تمتد إلى ما بعد التشخيص، حيث لا تتوافر موارد كافية باللغة العربية وأدوات المتابعة غالبًا ما تكون مشتتة.
هذا الواقع هو ما دفع محمود سليمان، طالب هندسة البرمجيات في جامعة أبوظبي، إلى التفكير في شيء مختلف لمساندة الأسر في رحلتها مع التوحد بدلا من إثقالها. ومن هنا ولد مشروع تخرجه: منصة سند.
المشروع الذي انطلق من قاعة دراسية في أبوظبي، وجد نفسه لاحقًا مختارًا ضمن 100 مشروع مشارك في معرض “حلول دبي للمستقبل – ابتكارات للبشرية” لعام 2025، من بين أكثر من 3000 ابتكار قدمتها 120 دولة حول العالم.
يقول محمود سليمان : “تشخيص التوحد في الشرق الأوسط صعب جدًا. الأهالي يتنقلون بين أماكن كثيرة، ويدفعون مبالغ كبيرة، وفوق ذلك كله معظم الاختبارات موجودة بالإنجليزية. في سند، وفرنا التشخيص لأول مرة بالعربية وبالتعاون مع أخصائيين متخصصين”.
تعمل منصة “سند” المدعومة بالذكاء الاصطناعي على تشخيص ومتابعة الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، من خلال أدوات متاحة على الهاتف المحمول، يمكن استخدامها في البيت أو المدرسة أو العيادة. وتوفر المنصة تشخيص علمي دقيق، لكنه في متناول الأسرة بلغتهم، وثقافتهم، ودون تكلفة باهظة.
يوضح محمود سليمان :”لا يتوقف الأمر عند التشخيص لقد أدخلنا ألعاب حركية تساعد الطفل على التفاعل بدلاً من أن يظل ساكنًا أمام الشاشة، نساعده أن يتحرك ويستخدم يديه وعينيه بينما تسجل الكاميرا أداءه وتذهب هذه المعلومات لأخصائي يحللها ويكتشف المهارات التي يحتاج الطفل لتطويرها ثم يضع خطة علاج سلوكي مناسبة له”.
ويتابع “الألعاب الموجودة داخل المنصة ليست ترفيهية فقط؛ بل أدوات تقييم حركي ومعرفي واجتماعي، تشمل التعرف على الأشياء، الألوان، التوجيهات، وحتى مواقف اجتماعية تساعد الطفل على التعامل اليومي مع الناس”.
ذكاء اصطناعي يفهم الكلمات… وحتى الصمت
ولأن التوحد طيف واسع، ولا ينطبق على طفلين بالطريقة نفسها، تستخدم “سند” نماذج ذكاء اصطناعي لتحليل حديث الطفل إن وجد، وتقييم قدرته على تكوين الجمل، وعدد الكلمات، وطريقة تفاعله.
ويوضح طالب جامعة أبو ظبي “بعض أطفال التوحد لا يتكلمون نهائيًا لذلك صممنا نموذجًا آخر يعتمد على الأهل… كيف الطفل يتعامل؟ بيرد عليهم؟ بيشارك؟ بيتواصل؟ كل ده بيدخل في التقييم”.
المنصة تعتمد أيضًا على اختبار عالمي معتمد لتشخيص التوحد، لكنه عادة مكلف ويجرى وجهًا لوجه فقط. ويوضح محمود سليمان “الإخصائي بيشتري الكتاب بـ400 دولار، ويحتاج موافقة ليستعمله. إحنا وفرناه عربي وأوتوماتيكي بالكامل. وبنسبة دقة في التشخيص تصل إلى 99%”.
يشرف على المشروع الأستاذ مراد الرجاب من جامعة أبوظبي، وكان جزءًا من كل نقلة تقنية وصلت إليها المنصة. ومع التجربة الأولى التي أجريت في مدرسة زايد العليا مع طلاب ذوي التوحد وتأخر النمو ومتلازمة داون، بدأت دائرة الاهتمام تتسع.
يقول محمود سليمان: “الأهالي فرحوا بالفكرة والأخصائيين انبهروا بالوقت الذي وفره عليهم والجهد. بدل ما يقعدوا ساعة مع كل طفل، صارت البيانات جاهزة. حتى المدرسة طلبت نرجع نعمل اختبار جديد في الفصل الدراسي اللي بعده”.
“سند” لا يزال في بدايته، لكنه قطع طريقًا طويلًا إذ يقول محمود سليمان “حصلنا على منحة بحثية بقيمة 50 ألف درهم من “مبادلة” وفزنا بالمركز الثالث في مسابقة “مايكروسوفت” وعقدنا تعاونا مع “صندوق الوطن” وحصل المشروع على المركز الأول داخل جامعة أبوظبي.
ومع ذلك، يظل حلم فريق سند أكبر من الجوائز: “بدنا سند يكون منصة للعالم العربي كله ولأكتر من نوع من الاضطرابات. بدنا نسهل حياة الأهالي، ونخلي التشخيص والعلاج والمتابعة شيء إنساني، بسيط، وسهل الوصول”.
ابتكار لدعم الطفل الموحد
سند ابتكار لدعم أسر أطفال التوحد
محمود سليمان
جريدة الخبر اليوم المصرية