كتبت\هبه عبدالله
يمر الدم فى القلب عبر أربع بوابات دقيقة تُعرف بالصمامات، تضمن أن يتحرك السائل الحيوي في الاتجاه الصحيح دون عودة إلى الخلف. إحدى هذه البوابات، الصمام الرئوي، يؤدي دورًا أساسيًا في توجيه الدم نحو الرئتين لتزويده بالأكسجين. وعندما يختل عمل هذا الصمام، يبدأ القلب في بذل مجهود مضاعف، فيظهر ما يُعرف بمرض الصمام الرئوي، وهو اضطراب قد يؤثر في وظائف التنفس والدورة الدموية معًا.
وفقًا لتقرير نشره موقع Cleveland Clinic، فإن الخلل في هذا الصمام قد يتخذ أكثر من شكل، مثل تضيق الصمام الذي يعيق مرور الدم، أو ارتجاع الصمام الذي يسمح بتسربه عائدًا إلى القلب، أو تكوّن صمام ناقص أو غير مكتمل منذ الولادة. وتختلف شدة الحالة من شخص إلى آخر، فقد لا تتجاوز الأعراض مجرد إجهاد بسيط في بعض الأحيان، بينما تتطلب في حالات أخرى تدخلاً جراحيًا معقدًا لإنقاذ المريض.
كيف يؤدي الخلل في الصمام إلى اضطراب تدفق الدم؟
يُشبه الصمام الرئوي بوابة تتحرك بانسيابية مع كل نبضة لتفتح الطريق أمام الدم من البطين الأيمن إلى الشريان الرئوي. لكن عندما يصبح الصمام متيبسًا أو ضيقًا، يحتاج القلب إلى ضغط أكبر ليدفع الدم عبر الفتحة الضيقة، مما يؤدي مع الوقت إلى تضخم في جدار البطين وإجهاد دائم لعضلة القلب. أما في حالات الارتجاع، فيحدث العكس: يعود جزء من الدم إلى الخلف في كل نبضة، فيقل الأكسجين الواصل إلى أنسجة الجسم ويظهر الشعور بالتعب وضيق التنفس.
الأعراض التي لا يجب تجاهلها
قد لا تظهر علامات واضحة في المراحل الأولى، لكن مع تقدم الخلل تبدأ إشارات مميزة بالظهور، مثل ألم الصدر، الدوار، الزرقة في الشفاه أو الجلد، الشعور بالإرهاق الدائم، وصعوبة ممارسة أي نشاط بدني معتدل. أما الأطفال المصابون منذ الولادة، فيُلاحظ عليهم بطء في الرضاعة وصعوبة في التنفس وتغير في لون الجلد إلى الأزرق نتيجة نقص الأكسجين.
الأسباب: من الوراثة إلى العدوى
تتنوع الأسباب بحسب نوع الاضطراب. فالتضيق قد ينتج عن تشوه خلقي في الجنين أو إصابة الأم بالحصبة الألمانية أثناء الحمل، بينما يرتبط الارتجاع أحيانًا بأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم الرئوي أو الحمى الروماتيزمية أو التهاب الشغاف، إضافة إلى الحالات التي خضعت مسبقًا لجراحة في القلب. بعض الحالات الأخرى تظل بلا سبب واضح، ما يرجح الدور المشترك للعوامل الوراثية والبيئية في نشأتها.
كيف يتم التشخيص؟
يبدأ الطبيب عادةً بالاستماع إلى صوت القلب، إذ يمكن للنغمة غير المنتظمة أو “النفخة” أن تكشف عن وجود تسرب أو تضيق في الصمام. بعدها تُستخدم وسائل دقيقة مثل تخطيط صدى القلب (الإيكو)، الرنين المغناطيسي القلبي، أو القسطرة التشخيصية لتحديد طبيعة الخلل بدقة. كما يمكن إجراء تخطيط كهربية القلب للكشف عن أي اضطراب في النبض أو الحمل الزائد على البطين الأيمن.
خيارات العلاج بين الدواء والجراحة
تعتمد خطة العلاج على شدة الإصابة. فالحالات البسيطة قد تُدار بالأدوية التي تقلل احتباس السوائل وتحافظ على توازن الضغط داخل القلب. أما توسيع الصمام بالبالون فيُعد إجراءً ناجحًا للأطفال أو الشباب المصابين بتضيق بسيط إلى متوسط. في المقابل، تتطلب الحالات المعقدة إصلاح الصمام أو استبداله جراحيًا بصمام صناعي أو بيولوجي.
بعد الجراحة، يوصي الأطباء عادةً بتناول مضادات حيوية وقائية قبل أي علاج للأسنان لتجنب التهاب الشغاف، وهو عدوى قد تصيب الصمام الجديد.
الحياة بعد العلاج والتعافي
يمكث المريض عادةً أسبوعًا إلى أسبوعين في المستشفى بعد الجراحة، وتستمر مرحلة النقاهة لعدة أسابيع حسب نوع الإجراء. ويُطلب من المرضى تجنب المجهود البدني العنيف مؤقتًا والالتزام بالمواعيد الدورية لمتابعة أداء الصمام عبر الفحوص القلبية. وتشير بيانات “كليفلاند كلينك” إلى أن معظم الأطفال الذين يخضعون لجراحات تصحيح الصمام يعيشون حياة طبيعية ويمارسون أنشطتهم بعد التعافي الكامل.
التوقعات والوقاية
النتائج الطبية في معظم الحالات مشجعة، إذ يمكن للمرضى الحفاظ على جودة حياة ممتازة عند الالتزام بالعلاج والمراجعة الدورية. أما الوقاية فتبدأ بالتطعيم ضد الحصبة الألمانية قبل الحمل، وضبط ضغط الدم، والامتناع عن التدخين، واتباع نظام غذائي صحي. كما ينصح الأطباء بمراقبة أي تغير في التنفس أو ضربات القلب، والتوجه للطوارئ فورًا عند حدوث إغماء أو ضيق شديد في النفس.
جريدة الخبر اليوم المصرية